تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » من التواصل الاجتماعي إلى التحكم بالوعي

من التواصل الاجتماعي إلى التحكم بالوعي

موضوع سأحاول عدم الخوض فيه باستفاضة لأنه معقد للغاية، وقد تكلمت عن أجزاء عديدة منه في السابق في مقالات سابقة، ولكنه اليوم خطر في بالي بعد ما قيل خلال 30 ثانية أثناء مقابلة شاهدتها بالصدفة، إلا أنه فتح عيناي على موضوع لطالما أزعجني منذ أن دخلت منصة الفيسبوك عام 2007 وجعل عقلي يربط أكثر من موضوع بعضها ببعض، فوجدت أن الصورة النهائية مطابقة للواقع!

منذ اليوم الأول كنت ألاحظ مزايا هذه المنصة “الفيسبوك” والذي احتوي على ألعاب اجتماعية لمعرفة اللون المفضل لأصدقائك، ولعبة معرفة من هو الشخص الأكثر غيرة بين أصدقائك، ومن لديه أكبر قدر من المال، وغيرها من التطبيقات المصغرة داخل المنصة والتي ترسلها إلى أصدقائك، فتدعوهم للمنصة للتسجيل فيها ومن ثم الرد عليك ومقارنة النتائج وتدردش معهم مستمتعاً بالتطابق أو التنافر بينكم باندهاش!

منذ اليوم الأول كان الهدف هو زيادة عدد المشتركين في الموقع، مجاناً، هذا ما كنت اتخيله، بل وكان عقلي الباطن يفسر أن الهدف من هذه الزيادة هو المكاسب المالية من الإعلانات وربما حتى الاشتراكات المدفوعة مستقبلاً، نعم لهذه الدرجة كنت ساذجاً تلك الفترة من عمري.

مع مرور الوقت، بدأ الموقع في دعم صفحات المعجبين وفتح الباب للمؤسسات والمنظمات لتتواصل مع النسبة الهائلة من المستخدمين فيها، وأصبحت المنصة مركزاً إخبارياً للتواصل بين المؤسسات ومتابعيها، بل أن هناك من صار تواجده بالكامل داخل المنصة فقط.

منصة مركز الأخبار

صار من الطبيعي جداً الخوف من هذا الموقع الذي يجمع الجميع، فبدلاً من الجلوس وتصفح المواقع على الإنترنت، كل على حدة، وهو أمر يأخذ وقتاً، صارت الأخبار والتفاعلات أسهل وأسرع وفي مكان واحد، حتى أن هناك جيل لا يعرف من الإنترنت والـ “ايميل” إلا هذه المنصة فقط، فيسمي المنصة بالإنترنت ويسمي حساب المستخدم بالبريد الالكتروني!

بمرور الوقت، بدأ الموقع في تحديد ما سيظهر لك من منشورات، مع ولادة “الخط الزمني” بعد إلغاء نظام “الجدار” الذي كان يظهر فيه كل شيء يتم نشره، وبدا أن القصة تتحول إلى أن المنصة هي من ستقرر ما يمكنك مشاهدته وما لا يمكنك مشاهدته، وبهذا تحولت عملية نقل الأخبار حسبما تراه إدارة المنصة والحاجة التي تخدم مصالحها ومصالح من يدعمها ويمولها.

من هنا ولدت ميزة التفاعلات أو ردود الفعل، Reactions لتتعمق المنصة أكثر داخل رأسك وقلبك فتبدأ في تصنيف المنشورات بناء على ما تشعر به تجاهها، وهذا يعني أنه لا يوجد مجرد تصنيف كلاسيكي سياسي أو علمي أو اجتماعي يبنى حسب كلمات مفتاحية موجودة من ضمن المنشور.

هنا خرجنا من مرحلة أنت تحب السياسة فإليك هذه المنشورات السياسية، أو مادمت تسجل اعجابك بالمنشورات التي فيها كلمات رياضية فأنت تحب الرياضة وهذا المنشور فيه كلمات رياضية فتفضل بقراءته، ودخلنا مرحلة كيف شعرت تجاه هذا المنشور، ومادام هذا النوع من المنشورات يبهجك فإليك هذه المنشورات التي ابهجت غيرك، ويتم تحسين الدقة مع مرور الوقت ومع توفر ملايين التفاعلات خلال دقائق يكبر هذا الطفل ويصير شيخاً حكيماً خلال ساعة!

سيطرة الآلة على العقل

بالطبع هناك ذكاء اصطناعي (كنا نجهل وجوده حتى فترة قريبة) يتم تدريبه منذ سنوات على ردود الأفعال، وزادت دقته في تصنيف المنشورات بناء على المشاعر لا الكلمات فقط، وبالتالي بدأت عملية تصنيف المشاركات حسب المشاعر، تمهيداً لطرحها وتجربتها والتي ستغرسها في المتلقي.

المسألة هنا أصبحت خطيرة، لأنها لا تتحدث إلى عقلك الذي لديه القدرة على الوزن والتقرير بناء على معطيات ودلائل ملموسة، بل المنصة صارت تتحدث إلى المشاعر والعقل الباطن فالمنشورات التي تبدو إعلامية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة سلبية من الداخل، تجعلك تشعر بالاشمئزاز، أو الاعتياد أو الرفض أو القبول بموضوع معين بقضية معينة، تغرقك بها حتى أم رأسك فيتولد لديك رأي حولها حتى وأنت لم تفتح كتاباً طيلة حياتك يناقشها، يتكون ويتولد لديك رأي حولها، دون أن تعرف من أين جاء، فالموضوع تمت زراعته فيك.

أحيانًا تظن أنني قد اصبت بالخرف، وهذه الفكرة بالذات كنت أقلّبها داخل رأسي منذ سنوات، لكن عندما نرى الحقائق على الأرض، تكتشف أن هذا هو الواقع الذي خلقوا هذه المنصة لأجله، والعمل بدأ منذ سنوات لا الأمس، والنتيجة مجازر وحشية تجري أمام أعيننا فلا يتحرك أحد، بل هناك أناس يشعرون بالأسى لأنه من الصعب عليهم التخلي عن السنيكرز والنوتيلا والبيبسي، فقيمة هذه الاستهلاكيات يشتهيها عقلهم الباطن أكثر من الكرامة وتقدير الذات، لأن المنصة طيلة اليوم تزرع فيهم هذه المشاعر بل وتعمل على تعزيز “نظام المكافأة” فيهم!

يمكنك أن تتهمني بالخرف والجنون وكل الأمراض النفسية والعقلية، ولكن تذكر أن الهدف من قضائي هذا الوقت لكتابة هذه الكلمات ليست محاولة لتغيير قلبك وعقلك، بل أعتبرها نكزة ورسالة لتستيقظ، ولن أملي عليك ما يجب فعله، لأني لا أعرف ما يجب فعله، فالدنيا عندي هكذا هي طبيعية وعادية جداً، فهي فتنة لنا لتجعلنا لا نرى النهاية حتى فوات الأوان.

الخلاصة

بينما أنت تقرأ هذا المنشور الطويل، قُتل 50 شخصًا بدم بارد، وأمام هذه العمليات الوحشية، كل هذه المنصات والمشاكل والمعارك تبدو سخيفة وتافهة لا تهم، الخصومات حول هل هذه القناة أو هذه الشركة أو هذا المنتج داعم أم غير داعم، وأنت جبان وأنت خائن، كل ذلك لا يهم، والحقيقة عندما أقرأها على منصات التواصل هذه الأيام أشعر بالاشمئزاز العميق، لأن كل هذا الاهتمام بها أعطى الصهاينة المزيد من الوقت لفعل ما يبرعون في فعله بشكل يومي والذي يتزايد يومياً.

لهذا، مهما كان التصنيف والمعركة التي نخوضها اليوم، هذا جبان، هذا مطبّع، هذا مجرم، هذا خائن، كل ذلك لا يهم، فمن الواضح أن كل هذه المنصات، والعالم السيبراني، والصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية مصممة حتى يتمكن الصهاينة من أن يفعلوا ما يريدون دون محاسبة، ثم في أوقات فراغهم، يسمحون لك ولي بنشر بعض من المنشورات التي تغير مزاجك وتشعرك بالرضى عن نفسك، فتراهم على التلفاز يأكلون الصفعات من هذا الصحفي أو ذاك، فتشعر بطعم انتصار مصطنع زائف على هذا الكيان، بينما هم على ارض الواقع يغتصبون كل ما تمثله ويرفع من شأنك على هذه الأرض.

اتمنى لكم يوم مريح.

مصادر

1 أفكار بشأن “من التواصل الاجتماعي إلى التحكم بالوعي”

  1. اعتقد من رأي ان الوضع يستلزم وضع حلول جذرية على ارض الواقع، بش نطلعوا من يلي نحن فيه من فتن ومشاكل وصراعات ، ويحتاج يقضه كامله للمجتمع بش يعرف انه الحل ومهما كان غير واضح للبعض في البداية، هو الرجوع الى الله وسنة رسوله ، ومحاسبة نفس ومعرفته ان كلنا مسؤولون عن الوضع يلي نحن فيه بعدم فعلنا لشيء مهما كان بسيط الى من رحم ربي، والله اعلم.

    بارك الله فيك، والله يرحم والديك.

    استمر 💪

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *