تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » دردشة في فلم: منبوذ

دردشة في فلم: منبوذ

“عليّ الاستمرار في التنفس، فالشمس ستشرق غداً، ومن يدري ما الذي سيجلبه المد؟”

هذا الاقتباس هو من فلم “منبوذ” أو “Cast Away”، حيث يجسد توم هانكس دور تشاك نولاند، وهو مسؤول تنفيذي في شركة FedEx تقطعت به السبل على جزيرة مهجورة بعد تحطم طائرة، فتصبح رحلة بقاء تشاك بمثابة استعارة للمرونة والأمل وعدم القدرة على التنبؤ بالحياة، ويمكنني تقسيم هذه المقولة إلى أربع نقاط:

1. المرونة والمثابرة

  • عندما يقول تشاك، “عليّ الاستمرار في التنفس،” فهو يعترف بالواقع القاسي لموقفه، فهو وحيد، دون أي يقين بالإنقاذ أو النجاة.
  • رغم الصعاب، قرر الاستمرار، يصبح التنفس رمزاً للمرونة، والتصميم المطلق على التحمل، حتى عندما يبدو الأمل بعيداً.

2. تقبل عدم اليقين

  • “غدا تشرق الشمس” يدل على الوعد بيوم جديد، إنه تذكير بأن الحياة مستمرة، بغض النظر عن ظروفنا.
  • شروق الشمس يمثل الأمل والتجديد وإمكانية التغيير، اختار تشاك التركيز على هذا الجانب الإيجابي، حتى وسط الشدائد.

3. المد والجزر الذي لا يمكن التنبؤ به

  • “من يدري ما يمكن أن يجلبه المد؟” يجسد جوهر عدم القدرة على التنبؤ بالحياة، مثلما ينحسر المد والجزر، تتقلب تجاربنا.
  • يدرك تشاك أن الأحداث غير المتوقعة، سواء كانت جيدة أو سيئة، يمكن أن تغير مسارنا. فبدلاً من الخوف من المجهول، يحتضنه.

4. تطبيق ذلك على حياتنا

  • جميعنا نواجه التحديات والنكسات ولحظات اليأس. ومثل تشاك، يجب علينا أن نثابر، حتى عندما يشير المنطق إلى خلاف ذلك.
  • احتضان عدم اليقين، ففي بعض الأحيان، يجلب المد فرصاً أو اتصالات أو حلولًا غير متوقعة.
  • استمر في التنفس بالمعنى الحرفي والمجازي. كل نفس هو فرصة للمضي قدمًا والتكيف واكتشاف ما يكمن وراء الأفق.

يشجعنا هذا القول على البقاء صامدين، وإيجاد الأمل عند شروق الشمس، والبقاء منفتحين على تيارات الحياة. ومن يعرف ماذا ينتظرنا؟ ربما شيء رائع، ولكنه ينبع من وجهة نظر تلغي وجود الله في المعادلة، وتجعله هو المجهول الذي تم تعويضه بالبحر وما يمكن أن يجلبه المد.

أين الله؟

واجه تشاك، الذي تقطعت به السبل في تلك الجزيرة المهجورة، العزلة والجوع واليأس. ومع ذلك، فهو لم يطلب صراحةً معونة الله أو يعتمد على الإيمان لإنقاذه، لماذا؟

تعكس تجربة تشاك الصمت المنسوب إلى الله في أوقات الأزمات، في لحظات المعاناة، قد يتساءل الناس – سامحهم الله – لماذا يبدو الله بعيداً أو غير مستجيب، وفسر بعضهم هذا الصمت على أنه اختبار للإيمان، وتحدي للعثور على القوة داخل أنفسهم بدلاً من الاعتماد فقط على التدخل الخارجي.

تصميم تشاك على البقاء يعكس الفاعلية البشرية كالقدرة على اتخاذ الخيارات واتخاذ الإجراءات، فلم ينتظر الإنقاذ من الله بشكل سلبي؛ بل تكيف وتعلم وثابر، ولعل غياب التدخل الاعجازي الصريح يؤكد على أهمية الجهد البشري والقدرة على الصمود.

من وجهة نظر البعض، فربما أن وجود المعاناة في الحياة هو شيء يخدم غرضاً ما، مثل تشكيل الشخصية، أو بناء التعاطف، أو الكشف عن نقاط القوة المخفية، لكن من وجهة نظري كمسلم فالمعاناة قد تكون نتيجة حتمية لأفعالنا، أو تذكير بأن هذه هي دنيا وليست جنة، وربما هي عدالة من الله أو فرصة للتوبة إلى الله، أو اختبار لنبقى صامدين، فنثق في حكمة الله، ونحافظ على تعاطفنا مع الآخرين، ولا ننسى أن أفعال الله هي أبعد من الإدراك البشري، فحكمته تفوق فهمنا: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23]

كذلك تشكل خلفية تشاك وخبراته ومعتقداته الشخصية استجابته في أحداث الفلم، فنحن لا نعرف قناعاته الدينية، لكن تصرفاته تكشف عن عقلية براغماتية، والإيمان ليس دائما عالياً أو واضحاً، ففي بعض الأحيان يكون الأمر بمثابة تصميم هادئ على مواصلة التنفس، حتى عندما يبدو الأمل بعيداً.

المسافة بين اليأس والواقعية تكمن في أن تشاك واجه ظروفاً صعبة، ومع ذلك كان همه المباشر هو البقاء على قيد الحياة، كالعثور على الطعام والمأوى والإنقاذ، ففي المواقف القصوى، غالباً ما يتجاوز التطبيق العملي المعتقدات المجردة، فقد كان تركيز تشاك على الحلول الملموسة.

صمت تشاك فيما يتعلق بالله وعدم الدعاء لينقذه يعكس الصمت الإلهي الملحوظ في حياتنا من قبل الكثيرين، فعندما يواجه الناس الشدائد، فإنهم يتصارعون لمعرفة ما إذا كان الله يسمع صرخاتهم.

الخلاصة

أصبحت رحلة تشاك نولاند في هذا الفلم نموذجاً مصغراً لبحث الإنسانية عن المعنى والتواصل، وتدعونا قصته إلى التأمل في الإيمان والمرونة ولغز المعاناة، ونحن نؤمن أن الله يرى وأن هذه الحياة اختبار لمدى صبرنا وأيمانا بوجود الله، حتى لو لم تحدث لنا معجزة ملموسة، لكن ربما تكمن المعجزة الملموسة في قدرتنا على التحمل والتكيف وإيجاد الأمل – حتى عندما تبدو أمواج الحياة قاسية بلا معجزات خارقة.

(تم النشر على فيسبوك هنا وهنا، وكذلك على لينكدإن.)

1 أفكار بشأن “دردشة في فلم: منبوذ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *