عندما يكون نموذج عملك يعتمد على الاشتراكات، أو بيع منتج مستمر وليس منتجات معمرة يشتريها العميل مرة واحدة ويختفي، فمن مصلحتك أن يستمر أي عميل لديك. لا تنظر إليه على أنه مجرد مشتري لمنتج (أو مشترك شهري)، بل فكر في مقدار المال الذي يجلبه لك سنويًا.
مثال على ذلك “شركة إنترنت”، فمن مصلحتها أن يستمر العميل معها حتى لو انزعج لأي سبب كان، ويجب ألا تتعامل الشركة معه بأسلوب “خذ أو اترك”، لأن هذا أحد أسباب كراهية الناس للاحتكار. فالاحتكار يجعل أي شركة تتحول إلى طاغية، ويتحول نظامها من بذل الجهد لتحسين الخدمة وإرضاء العميل إلى اكتفاء لأن الجميع سيأتون إليها على أي حال. وتبدأ الشركة بالتفكير بعقلية: “أنا الوحيدة، وأنت تحتاجني وستأتيني عاجلًا أم آجلًا.”
لذلك، أي شركة مهما كانت خدماتها ممتازة، إذا لم تعامل العميل كإنسان له قدر واحترام، وخصوصًا في أوقات المشاكل والانقطاعات، وتضايقت منه لأنه متضايق منها، فهي شركة لا تستحق أن تستمر معها. ويجب عليك أن تنهي أي علاقة معها، حتى لو بقيت بلا خدمات تحتاجها. كما يجب أن تكتب عنها وتنصح عائلتك وأصدقائك بتجنبها، لأن استمرارك يعني موافقتك على الضرر، وبالتالي ستستمر الشركة في نفس الأسلوب ولن تتغير.
والحقيقة أن السبب الرئيسي هو أن المحتكر لا يفهم إلا لغة المال، لأنه لا يهتم بالعميل. وليس هناك سبب يجعله يفكر في العميل، فأنت ستبقى معه على أي حال لأنه يعلم أنك تحتاجه. لذا، عندما تفاجئه بتوقفك عن دفع المال وتنشر الوعي بالمقاطعة، ستنطبق عليه مراحل الحزن الخمس (Five Stages of Grief) التي طورتها الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر روس. وإذا طبقنا هذا النموذج على شركة احتكارية تتعرض للمقاطعة، سيكون الوضع كالتالي:
- الإنكار (Denial): في البداية، تنكر الشركة وجود أي مشكلة أو تأثير للمقاطعة، وقد تصدر تصريحات (ليست بالضرورة رسمية) تقول إن المقاطعة مجرد حملة صغيرة على الإنترنت ولن تؤثر على مبيعاتها، وتتجاهل الشكاوى وتتصرف وكأن الأمور طبيعية.
- الغضب (Anger): مع استمرار المقاطعة، تبدأ الشركة بإلقاء اللوم على العملاء أو المنافسين أو حتى السوق بشكل عام. وقد تهاجم منظمي حملة المقاطعة، وتتهمهم بنشر الأكاذيب، وتستخدم وسائل الإعلام لتشويه صورة من يدعم المقاطعة. وقد تصدر تصريحات مثل: “العملاء لا يفهمون قيمة منتجاتنا”، أو “هذه حملة مدبرة من منافسين حسودين”، أو “السوق العالمي يعاني ونحن ضحية، والزبون لا يفهم الوضع”.
- المساومة (Bargaining): في هذه المرحلة تحاول الشركة استعادة العملاء بتقديم عروض خاصة أو تغييرات طفيفة دون معالجة المشكلة الحقيقية. تقدم تخفيضات كبيرة أو عروض مؤقتة مع وعود بتحسينات بسيطة دون تغيير جوهري. وقد تقول: “سنخفض السعر بنسبة 10%، نرجو أن تتفهموا”، أو “نعمل على تحسين الجودة قريبًا”. غالبًا ما تنتهي حملات المقاطعة هنا بسبب ضعف إرادة أصحابها وحاجتهم وقلة نضجهم ومعرفتهم بحيل المحتكرين. لذا يجب الاستمرار في المقاطعة مهما كان الثمن وتجاوز هذه المرحلة.
- الاكتئاب (Depression): في هذه المرحلة، تعترف الشركة داخليًا بأن المقاطعة أثرت فعليًا على أرباحها ومكانتها في السوق. قد تقلص الوظائف أو تخفض الإنتاج لتقليل الخسائر. وهنا يجب على منظمي حملة المقاطعة نشر أي أرقام أو معلومات توضح تأثير المقاطعة لتعزيز الإيجابية بين المشاركين وحثهم على الاستمرار.
- القبول (Acceptance): تصل الشركة إلى استيعاب كامل بضرورة التغيير الجذري، فتعمل على إعادة هيكلة حقيقية وإطلاق منتجات جديدة تلبي احتياجات العملاء. تقدم اعتذارًا صادقًا وتغير سياساتها لتتوافق مع توقعات السوق. قد نسمع تصريحات مثل: “نحن نستمع للعملاء ونعمل بجد لتلبية توقعاتهم”، أو “تعلمنا من أخطائنا ونعد بعدم تكرارها”.
في هذه المرحلة يأتي دور الحراك المجتمعي والنقابات والجمعيات، مثل جمعية حماية المستهلك، التي تلعب دورًا حيويًا في تنظيم الاجتماعات الشهرية لمناقشة المشاكل والاتفاق على مقاطعة المستغلين حتى يتعدل السوق ويتربى المستغلون. ويجب ضمان أن تبقى الشركة في مرحلة القبول دون العودة إلى ممارساتها السابقة.
ما كان حلمًا قبل 15 سنة أصبح اليوم أملًا ملموسًا فقد ازداد الوعي نسبياً عن السنوات الماضية. نأمل في تأسيس جمعية لحماية المستهلك الليبي من استغلال التجار، ونأمل أن يتعافى الشعب من مرض الأنانية ويفهم أننا لن ننجو إلا معًا وسنموت معًا. تذكروا قصة القرية الظالمة؛ فقد نهلك جميعًا حتى لو كان فينا الصالحون.

صورة مرفقة لمثال، ولا يجب تنفيذها حرفيًا، لكنها مجرد مثال لسد الفراغ. لا بأس بالتقليد ثم التصحيح حتى نصل إلى جمعية حماية مستهلك ليبية حقيقية.
مصدر الصورة جميعة حماية المستهلك السعودي.