على مدار أكثر من عقد، تعيش ليبيا تحت وطأة الصراعات المسلحة، الفساد المستشري، والاضطرابات السياسية. بلدٌ كان يعاني لسنوات طويلة من تعتيم فكري وحصار على المعرفة، فرضه نظام سياسي غريب استبدل المؤسسات الحقيقية بأنظمة هشة وصنع واقعاً مشوهاً.
أربعون عاماً من تدمير المنظومة التعليمية، وتفكيك المؤسسات الحكومية، وتمويل الإرهاب، وفرض نظريات سياسية هوجاء كانت نتيجتها أجيالاً محرومة من حقوقها الأساسية في الحرية، التعليم، والعمل.
واليوم، وفي ظل التقدم التكنولوجي العالمي، يقف الليبيون أمام تحدٍ جديد: التحول الرقمي. لكن كيف يمكن لبلد يفتقر إلى الاستقرار الأساسي أن يحقق هذه القفزة النوعية؟
![](https://alitweel.ly/wp-content/uploads/2024/12/gear-setting-icon-isolated-tool-cog-engineer-symbol-sign-free-vector-1024x635.jpg)
التحول الرقمي: الحل يبدأ من الواقع
التحول الرقمي ليس مجرد إدخال التكنولوجيا في الحياة اليومية، بل هو عملية شاملة تتطلب بنية تحتية قوية، مؤسسات فاعلة، وعقول قادرة على القيادة. ورغم التحديات، يثبت الشباب الليبي يوماً بعد يوم قدرتهم على الابتكار.
لكن هنا تأتي النقطة الأهم: لا يمكن أن يكون التحول الرقمي ناجحاً إذا بدأنا من المنظومات الجاهزة المستوردة ومحاولة تطبيقها بعنف على واقع يختلف كلياً عن الواقع الذي صُممت له. بناء المنظومات يجب أن يبدأ من الإنسان، من المستخدم، وينتهي بالمنظومة. علينا أن نركز على المشاكل والعراقيل الحقيقية التي يعيشها الليبيون، ثم نصنع حلولاً تناسب واقعنا المحلي.
أي حل مستورد دون وجود دراسة حقيقية واقعية تستمر لأشهر طويلة لتشمل الجميع وفي مختلف فترات السنة من أحداث ومناسبات، هو في نظري مجرد وسيلة لبيع منتج من شركة أجنبية بهدف الكسب من وراء مليارات نفط ليبيا. ما لم نشهد دراسات حقيقية تضمن إشراك كل أطياف المجتمع الليبي وتخرج بحلول منطقية واقعية تقبل التطبيق، تسهل حياة الناس، وتمنع الزحام، والتلوث البصري والسمعي والبيئي، وتخفف معاناة المواطن الليبي في تخليص المعاملات، فإن أي نظام لا يحقق هذا يُعتبر بالنسبة لي صفقة فاسدة.
هذا النهج يتطلب وضع معايير وحدود تمنع تكرار العراقيل، أو تقلل منها، بل وربما تكتشف طرقاً جديدة تماماً يمكن تطبيقها في ليبيا بشكل مبتكر ومختلف عن الدول الأخرى. ببساطة: لا تستوردوا ما هو مصنوع لغيرنا، ولنصنع تحولنا بأنفسنا. اتقوا الله في مستقبلنا.
التحديات في وجه التحول الرقمي
العقبة الكبرى في ليبيا تكمن في التدخلات الخارجية. دولٌ تسعى لفرض نفوذها على ليبيا وتوظيف مواردها لصالح أجنداتها. هذه التدخلات لا تترك لليبيين مساحة كافية للاستقلال وبناء مستقبلهم بأنفسهم.
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: هل يمكن لليبيا أن تحقق استقلالها الرقمي، بعيداً عن التدخلات الدولية؟ أم أن مصيرها سيبقى رهيناً لقوى خارجية تقرر لها خططها ومسارها؟
رغم كل التحديات، يبقى الأمل قائماً في العقول الشابة والطموحات الكبيرة التي تحملها الأجيال القادمة. التحول الرقمي في ليبيا ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب رؤية واضحة، قيادات مؤمنة بالتغيير، ودعماً شعبياً يقود البلاد نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
![](https://alitweel.ly/wp-content/uploads/2024/12/shutterstock-1-1-scaled.jpg)
رسالة إلى الشباب والمؤثرين الجادين
أنتم الآن في زمن أصبحت فيه الكلمة والصورة سلاحاً أقوى من أي وقت مضى. بفضل منصات التواصل الاجتماعي، لديكم القدرة على الوصول إلى جمهور واسع، والتأثير في وعي الناس، وحتى تشكيل الرأي العام.
لكن أمامكم تحديات ضخمة، منها مواجهة التفاهة التي يروج لها صناع محتوى بلا هدف، الماكينات الإعلامية للدول المتسلطة، وعقلية اللامبالاة التي تعشش في أروقة المؤسسات الفاسدة.
ما يمكنكم فعله:
- صناعة محتوى جاد ومميز فاجعلوا محتواكم جاذباً وممتعاً دون التفريط بجوهره التوعوي. الناس تبحث عن الحقائق لكن بأسلوب قريب من نبضهم اليومي. استخدموا لغة بسيطة، أمثلة واقعية، ومواقف تلامس حياتهم.
- خلق منصات بديلة فكونوا جزءاً من مبادرات إعلامية مستقلة أو تعاونوا لإنشاء شبكات توعوية على الإنترنت تكون ملاذاً للباحثين عن الحقيقة.
- فضح الفساد والتفاهة بحرفية فلا تكتفوا بالانتقاد العشوائي. احرصوا على تقديم أدلة وأرقام، وتوضيح الأثر السلبي للفساد والتفاهة على المجتمع. استخدموا الفكاهة أحياناً، فهي وسيلة فعالة للانتشار وكسر الحواجز.
- التثقيف الذاتي والمجتمعي فأنتم بحاجة لفهم القضايا بشكل عميق قبل الحديث عنها. قدموا محتوى يبني وعي الناس بحقوقهم ويدفعهم للمطالبة بها.
- الاستمرار وعدم الاستسلام فالتغيير لا يحدث في يوم أو شهر. استمروا، حتى لو كان التأثير يبدو محدوداً. عملكم اليوم سيؤتي ثماره غداً.
إلى المتابعين الذين يدعمون المحتوى الجاد ولكن يرددون “اللي خاف سلم”
الخوف يقتل المجتمعات قبل أن تقتلها الحروب أو الأنظمة الفاسدة. السكوت على الخطأ يعني المشاركة فيه. الخوف لا يحقق السلام، بل يضمن استمرار الفساد والاستبداد.
إن لم تكن مستعداً للمواجهة المباشرة، فلا أقل من دعم من يواجهون نيابة عنك. شارك المحتوى الجاد، ساعد في نشر الوعي، قف بجانب الحق ولو بكلمة. السلبية ليست حياداً؛ إنها خيانة للمستقبل الذي تدّعي أنك تريده.
خلاصة
لو قيل لي أن أختصر ما أود قوله كله حول التحول الرقمي في جملة واحدة، سأقول: “التحول يبدأ بالوعي.”