أعلم أن هذا الموضوع قد تم قتله وذبحه مراراً وتكراراً على وسائل التواصل الإجتماعي، لكني وددت ان أدخل فيه من باب آخر لا أجد أنه يحتمل التأويل ولا الرفض.
أولاً، اللغة العربية
أؤمن أنه لا يوجد ترادف في اللغة العربية، كل كلمة ولها مكانها ومعناها الدقيق، لأن الله إن أراد الوصف فسيصفه بالكلمة التي توضح معناه بما لا يشوبه الشك، ولهذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية، أكثر اللغات فصاحة على مر التاريخ، والقرآن الكريم لم ولن يوجد كتاب أو كلام أفصح منه، لأنه كلام الله عز وجل.
قال الله تعالى:
- {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. يوسف الآية 2.
- {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}. الرعد الآية 37.
- {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. النحل الآية 103.
- {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}. طه الآية 113.
- {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}. الشعراء الآية 195.
- {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. الزمر الآية 28.
التدّبُر والعقل
قال الله تعالى في سورة ص الآية 29 {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
قال الله تعالى في سورة النساء الآية 82 {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
وقول الله تعالى في سورة الزمر الآية 41 {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ}.
ومن هذا المنطلق أردت حث الجميع على التدبر، فالقرآن نزل للناس، لم ينزل للمؤمن أو المسلم أو العربي، بل هي رسالة للناس جميعاً، لهذا أحاول أن استعمل عقلي لفهم وتدبر آية القرآن الكريم، فأنظر للأشياء حتى آراها بعقلي فأدركها على حقيقتها التي هي عليها، دون تدخل أي طرف ثالث بين النظر والإدراك، وهي عملية عرفها الإنسان منذ بداية الخلق.
آيات القرآن لأصحاب العقول والبصائر، قال الله تعالى {نُفَـصِّـلُ الآيَاتِ لِـقَـوْمٍ يَعْـقِـلُـونَ} الروم: 28، وفي سورة الروم الآية 24 {إنَّ فـي ذَلِـكَ لآيَاتٍ لِـقَـوْمٍ يَعْـقِـلُـونَ}، وفي سورة العنكبوت الآية 35 {لِـقَـوْمٍ يَعْـقِـلُـونَ}، وفي سورة آل عمران الآية 190 {لآيَاتٍ لأُولـي الألْـبَابِ}
الشمس والقمر
قال الله تعالى في سورة الرحمن الآية 5 {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} أي يجريان في منازلهما بحساب وعدد ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها. من تفسير الطبري.
الحُسْبان
تعني العَدُّوالتَّدبير الدَّقيق، (حُسْبَانُ الأمْرِ) أي تَدْبِيرُهُ تَدْبِيرًا دَقِيقًا.
(حَسَبَهُ) عَدَّهُ وَبَابُهُ نَصَرَ وكتب و(حِسَابًا) أيضا بالكسر و(حُسْبَانًا) بالضم والمعدود (مَحْسُوبٌ)، الحساب، حُسبان مصدر حسبت الشيء أَحْسُبُه حَسْبًا وحُسْبانًا، والاسم: الحساب.
فالشمس والقمر آيتان من الله عز وجل لا تتأخر ولا تتقدم إلا بحساب دقيق، بل توجد جداول لحسابها حتى ستة آلاف سنة في الماضي وستة آلاف سنة في المستقبل، دون أدنى خطأ، ومن آيات الله أن جعل لكل شيء قانون لا يتغير وبناء على هذا ونتيجة لتدقم البشر وإختراعاتهم التي بنيت أساسا على هذه القوانين التي لا تتغير، نتواصل الآن عبر هذه الشاشة.
ثانياً، الصوم والفِطر والرؤية
يثبت هلال رمضان بالرؤية عند جميع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين} رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم 1081، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم 2124، واللفظ له.
وقبل أن نسترسل في هذا الحديث، علينا أن نعود إلى لغتنا العربية ونحلل الكلمات التي نسيناها بعد أربعة عشر قرناً.
النظر
وهو أن يري الإنسان المحسوسات من خلال العين المجردة، واستعملها الله تعالى في العديد من المرات للحث على الإنتباه والتفكر والتمعن وهي المرحلة التي تسبق الإدراك، فالنظر تقليب لحدقة العين في الأشياء طلباً لرؤيتها، فالنظر هو هدف الإرشاد نحو التأمل حيث أنه يهدف لتقليب البصر مع الاستغراق في الوقت حيث أن النظر لا يكون بسرعة ولكن يكون على تمهل لأن الغرض من وراء النظر والعمل على تحديث العين هو الوصول إلى الهدف الذي خلقت من أجله العين وهو إدراك الأشياء ورؤيتها على حقيقتها.
قال تعالى في سورة يونس الآية 101 {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ}.
الرؤية
تتم من خلال الرؤية العقلية المخفية أو المنامية بدون حاجة الإنسان إلى العين في تلك المرحلة لكي يرى، وفيها إدراك الشيء على ماهو عليه في الحقيقة وهي قوة العين تنقل صور الأشياء ليراها العقل،
قال تعالى في سورة الأعراف الآية 143: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}
سيدنا موسى قال {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} بمعنى أجعلني متمكنا من الرؤية التي هي للإدراك، لا النظر الذي لا يأتي معه إدراك، فرد عليه {انظُرْ} فسوف {تَرَانِي} وبعد أن رآه موسى وأدركه بعين عقله {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.
البصر
يعد البصر أو معني الإبصار كلمة دلالية على إدراك المرئيات التي يتم النظر إليها بالعين المجردة، ويقال بصرت بالشيء إذا صرت به بصيراً عالماً، أي أن هذه الكلمة تعني العلم بالشيء، ومعاينة الشيء بالبصر مرحلة يعقبها رؤية، فالبصر هو وصف العملية التي تقع بين النظر والرؤية فالإدراك، بين العين والعقل، وتكون نتيجتها الرؤية، وهي الوصف الأشمل للعملية كلها التي تجعلنا بشر.
يقول الله تعالى في سورة ق الآية 22 {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
فالبصر هو قوة الشخص بكل مراحل العملية مجتمعة، بداية من النظر وتقليب الشيء بحدقة العين، ثم رؤيتها على حقيقتها في العقل وإدراكها على ماهي في الحقيقة بعد إنتهاء مرحلة النظر، فالرؤية تحدث حتى في غياب مرحلة النظر.
البصيرة
ولنتذكر دائماً أن الإنسان الأعمى يمكن أن يكون بصيراً، فغياب مرحلة النظر (عملية تقليب للشيء بحدقة العين)، لن تمنع الأعمى الرؤية والإدراك، بينما يمكن لغير الأعمى ان يكون أعمى البصيرة، فالبصيرة ليست البصر.
البصر حاسة يمكن خداعها، كما قال الله تعالى في صورة الأعراف الآية 116 {وسَـحَـروا أَعْـيُنَ الـنَاسِ} وكذلك في سورة الحجر الآية 15 {لَـقَـالوا إنَّمَـا سُـكِّـرَتْ أَبْصَـارُنا بَلْ نَحْـنُ قَـوْمٌ مَـسْـحُـورون} كما أن البصر محدود ونفهم هذا في قول الله عز وجل في سورة الملك الآية 4 {يَنْقَـلِـبْ إلَـيْـكَ الـبَـصَـرُ خَـاسِـئَـاً وَهُـو حَـسـيرٌ}.
البصيرة هي ما تجعل الإنسان إنساناً، فيقول الله عز وجل في سورة الأعراف الآية 179 {كَـثيراً مِـنَ الـجِـنِّ والإنْـسِ لَـهُـمْ قُلـوبٌ لاَ يَفْـقَهونَ بِهَـا ولَـهُـمْ أَعْـيُنٌ لاَ يُبْصِـرونَ بِهَـا ولَـهُـمْ آذانٌ لاَ يَسْـمَـعـونَ بِهَـا}.
في النهاية
الرؤية إذا ليست هي النظر، الرؤية يمكن أن تحدث مع الأعمى، يمكن أن تحدث مع من يستعمل المحاكي في الحاسوب، يمكن أن تحدث مع من يستعمل الرياضيات والفيزياء، يمكن ان تحدث مع من يستعمل التلسكوب، يمكن ان تحدث مع من يقرأ جدولاً لأطوار القمر وإمكانية رؤيتها من منطقة على سطح الكرة الأرضية بحساب خطوط الطول والعرض، فكلها آيات من خلق الله تحكمها قوانين وضوابط لا تتغير إلا بحساب.
الأمثلة على ذلك عديدة جداً، منها على سبيل المثال كيف توقع آينشتاين قبل أكثر من 100 سنة عبر الرياضيات والفيزياء بأنه اذا تغيرت شدة الجاذبية في مكان ما من الكون بشكل مفاجئ – نتيجة انفجار نجم على سبيل المثال – فسيؤدي ذلك الى انتشار موجات من الجاذبية في طول الكون وعرضه بسرعة الضوء وهي تمدد وتقلص الفضاء اثناء حركتها، وقد أدرك هذا أينشتاين ورآه بعين عقله ودوّنه لنا في نظريته المعروفة بالنسبية وثم رصدها بالمستشعرات سنة 2016.
للمزيد إبحث عن:
Observation of Gravitational Waves from a Binary Black Hole Merger
B. P. Abbott et al. (LIGO Scientific Collaboration and Virgo Collaboration)
Phys. Rev. Lett. 116, 061102 – Published 11 February 2016
https://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.116.061102
ورغم الصغر المتناهي لهذه التمددات والتقلصات، تمكنت التقنيات الحديثة من رصدها وقياسها، فقد أعلن فريق علمي دولي عما وصفه باكتشاف مذهل في سعيه للحصول على فهم كامل للجاذبية، وذلك برؤية التواء الزمكان (الزمن والمكان) الذي حصل نتيجة اصطدام ثقبين اسودين من مسافة تتجاوز مليار سنة ضوئية عن الأرض، أي ان الاصطدام وقع قبل مليار سنة ونيف ولكن آثاره يتم الاستشعار بها حتى اليوم.
أينشتاين كان بصيراً، كان مدركاً، وقد “رأي” بعين عقله مالم يمكن لحدقة عينه “النظر” إليه.
إقرأ هذه الجملة العديد من المرات وطبقها على حياتك اليوم، بمعنى آخر، إفتح عقلك ولا تكن أعمى البصيرة.
أختم بقول الله تعالى في سورة الزمر الآية 41 {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}، وقول الله تعالى في سورة محمد الآية 24 {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، ونسأل الله تعالى أن لا يجعلنا مثل الذين حملو التوارة {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة الجمعة الآية 5، فنكون مثل من يحفظ القرآن ثم لا يدركه ولا يفهمه ولا يعمل بما فيه.
بإختصار، علينا العودة إلى القرآن الكريم، ولن نضل بإذن الله.
المصادر: القرآن الكريم، مختار الصحاح، المعجم الوسيط، قاموس المعاني، شمس العلوم، الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق.
مشكور جدا استاذ ..على هذا المقال المفيد..
بارك الله فيك