تعليقاً على حكاية الإبهار والروعة.. لقد فهم الليبيين القصة خطأ.. فالعالم تساءل في بداية الثورة عن هذا الشعب الرائع لسبب أعتبر نفسي أفهمه بسبب قربي وعملي مع العقلية الأجنبية لسنوات، وربما قد فات عنك هذا المفهوم.
الأجنبي بشكل عام يرانا شعب همجي وجاهل، نقود الجمال ونقتات على السرقة وإجراء الأشغال العضلية لا العقلية، والنظرة الدونية لنا كشعب تظل خفية عنك لكنها ستظهر عاجلاً أم آجلاً مادمت تتعامل بشكل يومي مع تلك الشريحة، وربما هي أفضلها لأن الكثيرين من الأجانب الذي صادقتهم قالوا لي (قبل الثورة) أن فكرتهم تغيرت عن الليبيين حين جاؤوا إليها كبلاد، بل ومنهم من أعتبر إحالته للعمل في ليبيا شبه عقاب له!
مع هذا، فالأجنبي يرى الليبي كائن احمق عاطفي يتصرف بعاطفته دون إتزان العقل، والأجنبي كذلك لديه عيوب أخرى نحن لسنا في صدد سردها، فحديثنا الآن عن نظرته هو لنا، حتى غن كلمة “إن شاء الله” يفسرونها تفسير التسويف وعدم القدرة على إيفاء العهد أو العمل، حتى مع علمهم بما تعنيه، لكنهم يعلمون أننا نستعملها كنوع من العذر المسبق لحالة عدم إنجاز العمل أو إيفاء الوعد.
الأجنبي قبل الثورة كانت معرفته بالليبيين عن طريق العمل على الأغلب، سواء في الوظيفة أو في المنزل مع الحارس أو في الدكان، ولطالما علق الكثيرين منهم يوم رحيلهم عن ليبيا أنهم سيشتاقون للقيادة في ليبيا (على سبيل المزاح) تلميحاً على غرابتها وسوئها.
بعد الثورة، حين رأي الأجنبي فينا خصوصاً على التلفزيون، الليبيين الآخرين الذين لم يتمكن من التعرف عليهم، منهم المهندس والدكتور والذين يجلسون بتلك البذلة وربطة العنق ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، يبدأ في الشك بأفكاره عن بقية الليبيين، ثم يستمر الفضول عند الأجنبي فيقرأ الأخبار عن أن “الثوار” يقاتلون بإستبسال لأجل الحرية، بالشبشب والهُركة، فيجد نفسه يحترم هذا الليبي الذي لم يعرفه من قبل ويقدر تضحياته التي يبذلها لأجل الحرية والديمقراطية والتمدن وغيرها من الأوصاف التي يقدرها الأجنبي ويدرسها على انها من حلول رُقيّ الشعوب.
ثم تنتهي الثورة ويتفاجأ بالليبيين يوزعون الورود والحلوى ويكنسون الشوارع ويقفون في إشارات المرور، وهو يعلم أنهم جميعاً لديهم السلاح ولا يتقاتلون فيما بينهم، فهنا تبدأ مرحلة الصدمة لديه، فكيف يحدث هذا في شعب مصنف من دول العالم الثالث عاش تحت دكتاتورية لمدة 42 سنة، ويبدأ عقله في التساؤل عن أين كان يختفي هذا الشعب ويصفه بالرائع لأنه من وجهة نظره كان يفترض أن يستمر القتال إلى الأبد.
وتمر الأشهر ويبدأ الأجنبي في ملاحظة أشياء كان منبهراً لعدم وجودها، فتبدأ سلسلة الأخبار عن الإغتيالات والإختطاف والتعذيب والإغتصاب والقتل والسطو والحرابة بالكلاشنكوف وال14.5 وال106 وحتى بصواريخ الجراد بفنون وأصول وإبداع والتي تارة تستهدف الصونية وتارة أخرى حبة المكرونة.
فيعود الليبي إلى تلك الخانة العتيقة التي عرفها به الأجنبي، خانة الهمج والجهل بالإضافة إلى الإجرام والخيانة والكثير من الصفات الذميمة الأخرى الجديدة على الليبيين أنفسهم، ونستمر نحن في الكذب عن الأجنبي حين يسألنا عن الحال والأحوال فنقول له أن كل شيء على ميرام وأن لايصدق مايراه في التلفزيون وغيرها من المُسكنات التي نحن أيضاً بحاجة إليها من حين لآخر حتى نقدر على العيش والإستمرار.
وبالنهاية، إكتشف العالم إأه لم ينبهر بالشعب الرائع، وأن الإنبهار كان بتلك الأقلية العاقلة التي كانت تمارس ولازالت تستمرفي ممارسة المواطنة المتحضرة والتي تحترم القانون ونظافة الأماكن العامة وتحب بلدها بالفعل لا بالقول، بالحب لا بالقتل، بالبناء لا بالدمار.
لكن إن أردت معرفة الشعب الذي أبهر العالم بحق، فإقرأ هذه التدوينة من فضلك التي تعود لما يقارب من السنتين مضت..