تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » تساؤل وظنون فشياطين!

تساؤل وظنون فشياطين!

ملائكة وشياطين
ان تحسن الظن وتندم، خير من ان تسيء الظن، وتندم ايضاً.. هذا هو مضمون (خربشتي) اليوم.

قال تعالى:
“يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطواتِ الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين / إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأنْ تقولوا على الله ما لا تعلمون”.. [البقرة، 168-169]

صراحة أعتبر أن الشيطان له دخل في حياتنا اليومية بشكل متواصل، لايكل ولايمل من مواصلة عمله.. وأعتبر أن ممارستنا لحياتنا اليومية هي جهاد ونضال يومي وكفاح للتغلب على هذا الشيطان.. لكن ماهي الطريقة التي يتبعها الشيطان في الدخول إلى قلب الإنسان؟؟ فللشيطان مدخل واحد فقط!

إنها الوسوسة طبعاً، لكن لحظة.. فالوسوسة لاتنفع الشيطان شيئاً إلا لو أصغينا لها، وهنا يكمن الخطر. فمن من الناس لا تتجاذبه الأفكار، وتراوده الخواطر؛ ومن يستطيع الكفّ عن الظن والتخمين؟!

المعضلة إذاً هي التمييز بين الأفكار والخواطر والظنون البشرية الطبيعية وطريقة التعامل معها وبين وسوسة الشيطان غير الطبيعية وطريقة تجنّبها أو طردها وتصفيتها!

درج بين الناس في أيامنا هذه، كما كان في أزمنة سبقت، اعتبار أن وسوسة الشيطان من ظنون الناس، وليس للشيطان تدخل خارجي بهذا الأمر، بمعنى أن الشيطان هو الأفكار الخبيثة الشريرة والأعمال الضارة القبيحة..؛ وهذا ليس من الإسلام في شيء. قال تعالى: “يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون”. [سورة الأعراف، 27]

لقد علَّمنا القرآنُ الكريم طريقة التعامل مع الظنون التي هي أساس الأفكار غير الحقيقية، وقد أعطى اللهُ ــ خالقُ الإنسان والعالمُ به ــ حرية بالتفكير لا بالتقرير، فقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم”. [سورة الحجرات، 12]

إذاً، الظن والتخمين من طبيعة ابن آدم، لكن على الإنسان أن يحتكم إلى العقل والواقع ليتبيَّن الحقيقة ويصل إليها، فعلى المرء أن يغذي عقله بالحقائق الواقعية ليتمكن من المعرفة والحكم.. ولهذا قال تعالى: “اجتنبوا كثيراً من الظن”. فظنُّ الإنسان غالباً ما يكون نابعاً من هواه، ولذلك عليه طرد الظنون التي نشأت من تخيّلاته غير الواقعية والتي أصلها ما يحب ويتمنَّى والإبقاء على الظنون التي تستند إلى وقائع وأدلة وثوابت لتمكنه عبر الزمن من اتخاذ الحُكْم المطلوب أو فَهْمِ صورةٍ ما.

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن الله أَمَرَ باجتناب الكثير من الظن لأن بعضه إثم، ويالها من لطيفة عظيمة.

من فضلكم تمعَّنوا بالآية ككل ففيها من اللطائف ما يصعب حصره.

“يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم”. [سورة الحجرات، 12]

وبقي علينا في هذا الفصل أن نبيّن أن مَن يطرد وسوسة الشيطان من قلبه بالاستعاذة بالله ــ سبحانه وتعالى ــ، والاستعانة بتلاوة القرآن وذِكر الله، ويصغي إلى صوت الضمير والعقل، لا يمكن للشيطان وجنوده أن يؤثروا عليه أبداً. قال تعالى: “وقل ربِّ أعوذ بك من همزاتِ (28) الشياطين / وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون” [سورة المؤمنون، 97-98]

وقال: “وإذا قرأتَ القرآنَ جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً” [سورة الإسراء، 45]

وقال: “فإذا قرأتَ القرآنَ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم / إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون / إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون” [سورة النحل، 98-100]

وقال: “ومَن يعشُ (32) عن ذِكر الرحمن نقيِّض له شيطاناً فهو له قرين” [سورة الزخرف، 36]

وقال: “ومَن يكن الشيطانُ له قريناً فساء قريناً” [سورة النساء، 38]

لكن هناك فرق في القراءة.. حينما نقرأ لشخص ما يظل هناك “ظن” ما في كلماته.. لكن نحن كمسلمين مؤمنين نقرأ القرآن بعين مؤمنة بلا ظنون.. بل نحاول فهم الحِكم الخافية عنا بين الحروف.. هذا هو الفرق في القراءة.. أن نثق فيمن نقرأ له.. ومن أوثق من الله عز وجل.. لنقرأ له؟

إذا من الخطر أن نقرأ دون تفكير بعقل ومنطق.. ومن الخطر كذلك أن نقرأ فنؤمن دون فهم وإيمان.. فالتحليل واجب على كل قاريء.. وإلا فلا يحق له التعليق إلا بالسؤال البريء.. رغبة في فهم المزيد.

حينما نقول “قراءة” فيجب أن نفكر في معناها الحقيقي.. هي القراءة بعين العقل.. لا مجرد تلاوة لأحرف وكلمات.. هذا المقصود بالقراءة.. وللأسف فإن معظم من يقرأ القرآن مثلاً يفهم أجزاء منه لا كله.. هناك كلمات ومعانٍ تغيب عن ذهننا ومع هذا نقول نحن نقرأ القرآن.. لكننا نؤمن بالله عز وجل فنصدق كل ما في كتابه العزيز.. ومع هذا أفضّل القول أني أحاول قراءة القرآن الكريم بدلاً من أن أدعي أني أقرأ القرآن الكريم!

أحاول دائماً قراءة كلمات غيري بذهن مفتوح بعيداً عن الظنون الخارجة عن النص.. لا أرجم الغيب.. بل أقرأ الكلمات التي أمامي فأحللها فيرد عقلي بما فهم منها.. وأكبر خطأ يقع فيه الكاتب قبل القرايء، هو عدم توضيح الكلمات.. فحينما أكتب أتخيل أمامي شاب لايفقه شيئاً مما أكتب.. وأتخيل كذلك ردات فعله وتساؤلاته، فأمضي قدماً أزيد هنا سطر وأوضح هناك فقرة ما.. وهلم جراً حتى تكتمل الفكرة وتصبح الفكرة ذات السطور القليلة، مقالاً طويلاً.. ومع هذا لا ننسى أن الإطالة مملة وتلهي القاريء عن الفهم.

إذا ماذا تحكمون على من يقرأ سطرين فقط ويرجم بعدها الغيب بكل ثقة ويقرر بعدها المصير وينهي المسائل ويبدأ حتى في تحليل النتائج؟؟

أحمق! لا أكثر ولا أقل.

إذا في المرة القادمة حينما تقرأ شيئاً.. تأكد من إنك تقرأ فعلاً.

لا أدري كيف يبني الناس قراراتهم على ظنون.. أعتقد إنها قمة السذاجة وودليل ثابت على قلة خبرة فاعلها في الدنيا.. وحماقته التي يجب عليه أن يدركها قبل فوات الآوان لتصبح عادة متأصلة فيه.. فيفتقد متعة قراءة الآخرين (قبل أن يمتلكها!) ويظل دائماً عائماً على السطح فيُحرم من إكتشاف روائع بحر القراءة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

(+ أستقيت معلومات هذه التدوينة من مقال في الدراسات الإنسانية لسام محمد بعنوان “الشيطان”.)

الوسوم:

0 فكرة بشأن “تساؤل وظنون فشياطين!”

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    تدوينة موفقة أخي العزيز علي، وقد تضمنت أفكارا وجدتني مؤمنا بها..
    لكم أعجب ممن يجتهد في تأويل الكلام وتحميله أكثر مما يطيق، ثم يبني على ضوء تلك التأويلات أحكام يتخذ على غرارها مواقف تؤدي إلى أفعال!! قمة الظن السيء برأيي..
    لدي فقط ملاحظة بسيطة لغوية ولست أدري هل أصيب فيها أم أخطئ، فقد قلت في عبارة:
    “وما أوثق من الله عز وجل.. لنقرأ له؟”
    وأرى أن “ما” هي لغير العاقل، ومادام الكلام مقرونا بالله عز وجل فحري أن نستعمل “من” الدالة على العاقل فنقول:
    “ومن أوثق من الله عز وجل.. لنقرأ له؟”
    أعلم بانني إن كنت مصيبا فإن الأمر وقع منك سهوا، لكنني رأيت من واجبي التنبيه إلى الأمر، فإن كنت محقا فلك أن تعدله، وإلا فساكون شاكرا بفهم المقصود..
    مني لك أرق تحية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *