تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » اﻹرث الحقيقي الذي ستتركه

اﻹرث الحقيقي الذي ستتركه

أحيانًا، أفضل طريقة لاكتشاف حقيقة جمهور شخص أو منتج أو قضية ما… هي أن تقول شيئًا لا يعجبهم.

ما أفعله من حين لآخر هو نوع من “الاستفتاء غير المباشر”: أنشر رأيًا لا يتماشى مع التيار، فقط لأرى ردة الفعل.

هل تكون الردود من نوع النصح والاحترام؟ أم من نوع السب والشتيمة والتخوين؟

ما يهمني ليس الرد على الأشخاص، بل قراءة الإرث الذي تركته الشخصية أو الفكرة في عقول متابعيها.

فهل الإرث هو الحوار؟ أم التعصب؟ وهل الغالبية محترمة؟ بنسبة 80%؟ أم أن العكس هو الصحيح؟

📊 في منشورات حديثة لي، كتجربة اجتماعية بسيطة كتبت رد الذكاء الاصطناعي في شخصية عامة، ومن بين 45 تعليق:

❌ 3 تم حظرهم بسبب الإهانة المباشرة لي وشخصنة التعليقات.
⚠️ 15 استخدموا أسلوب الإهانة المبطنة أو الاستهزاء على ذكائي.
❓ 10 “ينصحون” لكن بدون مصادر أو فهم للسياق، فقط رأيهم.
👍 5 انتقدوا الشخصية العامة.
😐 9 كانوا محايدين أو فضوليين دون هجوم.

أكبر ثلاث فئات هي:
15 شخص كتبوا تعليق إهانة أو سخرية مبطّنة (حوالي 36٪).
10 اشخاص كتبوا تعليقات «نصيحة» بلا مصادر (≈24٪).
9 كتبوا تعليقات محايدة أو فضوليّة (≈21٪).
عند جمعها نحصل على 34 شخص، أي نحو 81٪ من كل التفاعل، هذه هي «كتلة الـ80٪».

الفئتان المتبقيتان هما:
5 كتبوا تعليقات انتقاد للشخصية (≈12٪).
3 كتبوا تعليقات سبّ مباشر أدّى إلى الحظر (≈7٪).
المجموع هنا 8 اشخاص، أي قرابة 19٪، وهي «كتلة الـ20٪».

بصورة مبسّطة: ثلاث فئات فقط أصدرت أربعة أخماس الردود، بينما خمُس الردود المتبقي جاء من الفئتين الأخريين، تطبيقٌ شبه مثالي لقاعدة 80/20.

رغم أني أرفقت رابطًا فيه فيديو شرح مفصل (مع مختصر مكتوب) يوضح وجهة نظر مختلفة حول الاستعانة بالذكاء الاصطناعي ويبيّن بوضوح أن المنشور لا يمثّل رأيي الشخصي الحقيقي، إلا أن شخصًا واحدًا فقط من بين الـ45 كلّف نفسه قراءة الرابط والتفاعل معه وشكري عليه!

أما الرابط الثاني الذي أضفته لاحقًا لتوسيع الصورة، فلم يتفاعل معه إلا شخص واحد، ولم يحظَ إلا بـ 4 تعليقات فقط، رغم أن الجدل ما زال مشتعلًا على المنشور الأول، مع العلم أن متابعيني يعرفون رأيي في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ﻷني انشر بإستمرار حول هذا الموضوع!

لكنها الخوارزمية، وماتحب ان تلقيه خارج دائرتي المعتادة، وحبها للجدل والخلاف وتأصيله بيننا.

🔍 هذه التجربة البسيطة تقول الكثير، ليس عني، بل عن نوع الجمهور الذي تخلّفه بعض الشخصيات أو القضايا أو المنتجات، هي محاولة لكسر الفقاعة التي تحبسنا فيها الخوارزميات، وتجعلنا نظن أن كل من حولنا يُفكر مثلنا.

الاختلاف لا يزعجني… لكن طريقة الاختلاف تكشف الكثير.

🧠 هناك أشخاص حين يتم انتقادهم، تجد جمهورهم محترمًا، يناقش وينصح ويوضّح بالمصادر (لا اﻵراء فقط) كيف أن الانتقاد من وجهة نظرهم غير صحيح، وهناك آخرون، جمهورهم يرد بالإهانة، السخرية، السب، وأحيانًا التكفير.

وفي الحالتين… ما تراه أمامك ليس مجرد تعليقات، بل هو الإرث الحقيقي الذي خلّفته تلك الشخصيات في متابعيها، سواء كانت هذه الشخصية شيخ، صحفي، رئيس، جندي، طبيب، وربما حتى صانع محتوى على اﻹنترنت! ولا ننسى اﻹرث الذي تركه اﻷهل فيهم كأبناء وبنات، فهل كانت تربيتهم صحيحة؟ أم أن المجتمع قد فعل فيهم الافاعيل؟ أم أن حقيقتهم تظهر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي بعد لبسهم للأقنعة؟

هذا ما أريده أن يبقى في ذهن القارئ، ليس الأرقام، ولا الأسماء… بل قراءة ما وراء السطور، فهل نعي ما نراه؟ أم أننا نقرأ النصوص بعين ثقافتنا فقط؟ ماقولك في شخص يتكلم قبل أن يفهم؟ يسمع لينتظر دوره في الكلام لا يسمع ليفهم ثم يرد؟ هل تتكتب أنك تريد التغيير الايجابي فعلاً في اﻵخرين وتغيير مفهومهم للحق، أم أنك تكتب للسب والاهانة وتثبت لنفسك انك على حق وأن العالم كله احمق كافر بالحق؟؟

في هذه المرة ومرات قبلها لم اكتب عنها، استغللت الترند لأثبت شيئًا لنفسي… وفي كل مرة تبقى نقطتين: 1. هل يعرف القارئ فعلًا ماذا يرى؟ و 2. هل فعلاً كل إناء بما فيه ينضح؟

للأسف ارى أنه لا للأولى، ونعم بشدة للثانية.

وفي النهاية أجد نفسي مضطراً لتذكيركم بما قاله كوبر لابنته في فيلم Interstellar: “حسنًا، مورف، إذا كنتِ تريدين الحديث عن العلم، فلا تقولي لي فقط إنك خائفة من شبح ما، سجّلي الحقائق، حلّليها، وقدّمي استنتاجاتك.”

وهذه محاولة لتحقيق المقولة: المهندسون لا يروون القصص فقط، بل يثبتونها بالأرقام، وفي المرة القادمة التي ننتقد فيها شخصية ما، سنعلم إرثها الحقيقي عبر ردود متابعيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *