تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » أفكارنا أم صدى الخوارزميات؟

أفكارنا أم صدى الخوارزميات؟

لم يعد عصرنا عصر ندرة المنابر، بل عصر فيض الأصوات.

انتقل الإنسان من متلقٍّ صامت أمام شاشة التلفزيون إلى متحدث دائم، يحمل ميكروفونه في جيبه، ويعلّق ويفتي وينظّر في كل شأن، دون توقف أو مراجعة.

كنا نخشى يومًا أن تضيع الأفكار العظيمة لأن أصحابها لا يملكون فرصة للحديث، لكننا لم نتوقع أن تتحول المساحة المفتوحة إلى ساحة ضجيج، تختلط فيها المعرفة بالادعاء، والحكمة بالانفعال، حتى يصعب التمييز بينهما.

ومع صعود ما يُعرف بـ”فقاعات التصفية”، لم يعد الإنسان يرى العالم كما هو، بل كما تقدمه له خوارزميات مصممة لتغذية قناعاته، وتعزيز إحساسه بأنه الأصح والأفهم، بينما هو في الحقيقة محاصر داخل دائرة مغلقة من الآراء المتشابهة.

ثم جاءت نماذج اللغة والذكاء الاصطناعي، فازدادت المشكلة تعقيدًا.

لم نعد نكتفي بإعادة تدوير الأفكار، بل صرنا نُفوّض التفكير ذاته للآلة: تكتب عنا، وتجادل عنا، وترد عنا، حتى أصبح الضجيج مؤتمتًا، ينتج نفسه بنفسه.

المشكلة هنا ليست في التقنية، بل في الإنسان الذي اختار الراحة العقلية على حساب الجهد، واليقين السريع بدل الشك الصحي، والانتماء للفقاعة بدل مواجهة الأسئلة الصعبة.

ربما لسنا أكثر علمًا مما كنا، بل فقط أكثر كلامًا.

وربما أخطر ما نواجهه اليوم ليس نقص المعرفة، بل غياب الوعي بقيمتها وحدودها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *