تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » العصور المظلمة

العصور المظلمة

الإيمان بالخرافات والغيبيات من مظاهر ثقافة العصور المظلمة

العصور المظلمة مصطلح يستخدم للدلالة على العصور الوسطى في أوروبا وهي الفترة ما بين الأعوام 400 – 1400 تقريباً، وتميزت العصور المظلمه بتفشي الجهل والتزمت الديني الشديد وتعاظم دور الكنيسة في مختلف مجالات الحياة و أيضاً بانتشار الحروب العسكرية بين الشعوب الاروبية و الجرمانية. العالم الإيطالي فرانسيسكو بتراركا وضع هذا المصطلح منتقدا الأدب اللاتيني المتأخر، والمؤرخ الإنجليزي جيبون وصف العصور المظلمة بألف سنة من الهمجية والدين.

فرانشيسكو بيتراركا ومصطلح العصور المظلمة
فرانشيسكو بيتراركا ومصطلح العصور المظلمة

لاحقا قام المؤرخون بتوسيع المصطلح ليشمل أيضا غياب الكتابات التاريخية وانعدام الإنجازات الحضارية المادية والانحطاط في مختلف المجالات، ولم يبقى من معارف الاغريق والرومان التي ازدهرت في أوروبا سوى القليل محصورا بين الاديره والكاتدرائيات وبلاطات الحكام.

الثقافة

حرّم رجال الدين وتوابعهم إستخدام اللغات المحلية في الكتابة لأنهم ربطوا بين المسيحية واللغة اللاتينية. وظلت الكتابة باللغات المحلية من المحرمات التي يجب محاربتها، وكان من يحاول إستخدام لغته المحلية التي يتكلم بها بدل اللاتينية في الكتابة، يُعتبر مارق كافر معتدي على الدين، ومع هذا الإنحطاط عم الفقر بين الناس، و قفلت المدارس التي تدرس العلم التطبيقي والتعامل مع الحياة، وفتح بدلاً عنها صوامع تُعلم الدين وجغرافية العالم الآخر، وانعدمت الدراسة وندُرت الكتب، وإنشغل الناس في مناقشة الغيبيات والشعائر والطقوس التي يجب على الناس أن يتبعونها في حياتهم حتى يدخل الجنة، وبإختصار الثقافة ظلت تخدم شؤون العالم الآخر بدلاً من أن تخدم الإنسان على كوكب الأرض.

الخرافات × المنطق

الإيمان بالخرافات والغيبيات من مظاهر ثقافة العصور المظلمة، فبدلا من أن يفكر الناس في العلم و المعرفة التطبيقية ظلت تفكر فى السحر وطرد العفاريت! فهي العدو الأول للإنسان ولاعمل لها إلا حمله على فعل الشر وأذيته هو ومن حوله. انتشر إتهام الناس والنساء بالذات بالسحر، أي أن الكنسية كانت تلاحق النساء في كل مكان وكانت التي يثبت عليها أنها ساحرة يقبض عليها ويتم حرقها في مكان عام.

رجال الدين تفننوا فى تجارب التعرف على الساحرات، وطبعاً الضحايا كان منهم الكثيرين ممن مجرد أشخاص قالوا شيئاً لم يتماشى مع هوى رجال الدين واتباعهم أو مجرد أنهم فكروا فى شيء يخدم المجتمع، فكان من اللازم أن يحاكموا ويذلوا ويقتلوا حتى يبقى الوضع على ماهو عليه ويصبحون عبرة لغيرهم من الكفار! الناس صارت ترى الأشياء من منظور غيبي تبرره العقيدة كما يفسرها لهم رجال الدين وأتباعهم لا بالعقل والتفكير المنطقى المنظم.

النظر الغيبي يقتضي الإيمان بالسحر والعفاريت والتنجيم والطقوس العقيمه من تلاوات وطلاسم مكررة، وكذلك الإستبداد بالنساء وقهر الناس وتجميد أذهانهم ومنعهم من التفكير وكذلك محاربة العلم والتطور كلها كانت من سمات العصور المظلمة. ذهول الناس وبعدهم عن التفكير الحر المنطقي لم يتم عن طريق الحجر المباشر على الأفكار بواسطة رجال الدين وذيولهم، بل كان في العادة عملية تلقائية نابعة من الإنسان ذاته وذلك لإن في هذه الفترة أذهان الناس نفسها انحطت وبقى الجمود الفكري هو مزاجهم الثقافى العام.

إنسان العصور المظلمة أحادي التفكير، ومتعصب دينياً، ومعتدي على من يخالفه الرأى، ويحتقر النساء ويعتبرهم عيباً كبيراً، ويؤمن بالغيبيات، ويكره التطور والعلم، ويفسر ظواهر الحياة تفسير خرافي لا أساس علمي له.

في عالمنا الإسلامي هناك من إستغل الدين وحرف مقاصده ودلالاته ليخدم أهوائه وأجنداته ومصالحه هو ومن ينحاز إليهم، ومنهم للأسف من يحمل شهادات عليا في علم الشريعة وصارت لهم الكلمة العليا في السياسة والإقتصاد والزراعة والصناعة والعلوم العسكرية وغيرها، كما ان هدفهم هو المرأة وماتفعله وتقوله وتلبسه، فصارت هي لب المصائب في كل حواراتهم حول المجتمع ويتم كل يوم قهر المرأة في الكثير من الدول التي تعتبر نفسها مسلمة اليوم.

وصل الأمر ببعضهم إلى الحكم على النيات والتحريض على القتال وترديد الأكاذيب والإشاعات، وهم لوحدهم قِلة ومجرد طبول فارغة صوتها عالٍ لكنها مليئة بالهواء، لكن بما أنهم قلة، فأين المشكلة؟ المشكلة في الشريحة الأخرى، فقوة سلاح هؤلاء الشيوخ تكمن في جهل المُتلقين وتعودهم على تلقي المعلومة الدينية دون نقاش أو تشكيك، دون قراءة بعين واعية لما حدث ويحدث، فهم يلقنوك الدين دون أن يزودوك بسلاح المعرفة، فأنت مجرد ببغاء تردد ماحفظته دون ان تعيه بالفعل ومع أول إصطدام مع الآخر تجد نفسك بلا سلاح ولا تعرف الرد، وترجع الأمر لأحد الشيوخ لأنك لم تتلقى علوم الآخر فلهذا عقيدتك لم تتحصل على مناعة ضد أي هجوم خارجي.

تعودنا على أن التشكيك في العقيدة “حرام” وأن قراءة كتب معينة “حرام” وكلها أساليب لتكميم العقول وتكبيلها وربطها في رسن كالدواب حتى تسهل قيادة هذا القطيع، وهم الأغلبية في مجتمعنا للأسف، فكل شيء يتم تحليله بشكل غيبي بعيد عن الواقع، فكل مصيبة تقع ليست لأنك أسأت العمل والتدبر بل لأن هناك سبب غيبي فلا تجلس وتفكر وتحاول أن تجد حلاً لمشكلتك، بل تجلس وتدعوا الله أن يساعدك، ولا تعمل تجاه حل عملي.

لهذا فنحن نعيش عصوراً مظلمة حتى وإن لم يتم الإعلان عنها، لكننا نعيشها ونعرف علاماتها عبر قراءة كتب التاريخ.

النهضة

العصور المظلمة لم تنتهي سنة 1000 والعصور الوسطى لم تغرب مع شمس آخر يوم فى سنة 1453، فهذه التواريخ مجرد حد عرفي لا جزمي.

العصور المظلمة والعصور الوسطى تلاشت ببطء عن اوروبا، فبعد القرن الحادي عشر بدت بوادر التغيير والنهضة تهل على أوروبا، حيث ظهرت كتب فيها فكر لكن فكر في حدود الدين، ففي هذه الفترة ظهر أبيلار (1079 – 1142 ) وهو رجل دين يكتب في مواضيع دينية لكن دعا للشك وجعله أساس للإيمان الصحيح، وبالرغم من هذا اصطدم مع بابا الكاتوليك و تم تحريم كتبه.

ظهر بعده توماس الاكوينى (1225 – 1274) وقد حاول أن يوفق بين العقل والدين بطريقة تلفيقية لكن كتب بجرأة وبيّن قيمة العقل.

الإثنان بينوا الرغبة فى دراسة الكتب القديمة الأخرى التي ليس لها علاقة بالدين، وأفكارهم تعتبر بذرة الحركة البشرية، التي وصلت لذروتها في عصر النهضة الأوروبية، والتي خلاصتها أن الإنسان يجب ان يطلع على المعارف الإنسانية وأن لا يقتصر تفكيره على إجترار الدين والغيبيات، وبدأ الناس يطالعون مواضيع من عصور الإغريق والرومان ليس لها أي علاقة بالدين، وهذه كانت ثورة وتمرد على الأوضاع الثقافية المتردية التي إجتاحت أوروبا في العصور المظلمة، واصبح من حق المثقفين ان يطالعوا مايريدونه وينتقدوه كذلك.

المصلح الدينى مارتين لوثر كان من ثمار هذه الحركة البشرية، وكان بذرة لنهضة أخرى هي نهضة الحرية الدينية التي هي نفسها كانت نتيجة لحرية الذهن. ومن هذه الحريات نشأت حركات أخرى تتعلق بالحقوق السياسية والإقتصادية.

اوروبا الجديدة – التنوير

حوالي سنة 1000 بدأت المدن في أوروبا تتكون وتجذب سكان الأرياف ممن كانو يعيشون في العصور المظلمة عبيداً للنبلاء والإقطاعيين وميليشيات لفرقهم العسكرية التي يحاربوا بها بعضهم البعض، وبدأ يظهر الصُنّاع والتجار بعد أن اختفوا، حيث أن النهضة كانت بإنتقال الناس من الريف، مكان الجمود وحكم النبلاء، إلى المدن، مكان التجارة والصناعة والتجمع السكانى، ومكان الرأى فوق العقيدة، وحتى مكان الإكتشاف والإختراع.

خرجت أوروبا من الحصار الذهني في العصور الوسطى للعالم الرحب، و انطلقت مراكبها من موانيها تكتشف العالم، وبقى لأوروبا وجود في التاريخ والجغرافيا بعد أن كان وجودها في العصور المظلمة محصوراً في كتب الدين اللاتينية وجغرافية العالم الأخر.

اللغات المحلية حلت محل اللغة اللاتينية في الكتابة وصارت المعرفة متاحة للجميع وتقرأ وتكتب وتفهم بسهولة. إجتازت أوروبا الفترة القاحلة من تاريخها ودخلت في عصور التنوير والحرية والصناعة والإكتشافات والإختراعات المبهره، وسادت حضارتها الدنيا، و سقطت امام ثقافتها كل ثقافة عارضتها وفضلت حبيسة عصرها المظلم الخاص بها، تعانى الجهل والقهر، والإستبداد بالمرأة، والإعتداء على أصحاب الآراء، والإيمان بالخرافات و الغيبيات، والصراعات الدينية والعرقية التي استمرت حتى اليوم في دول عديدة تدعي أنها مجتمعات متحضرة.

الخلاصة

أنا لا أدعو إلى تحويلنا إلى أوروبا بكل مافيها من إنحلال أخلاقي لايتماشى وثقافتنا، لكني ادعو إلى التعلم من التاريخ ودراسة ما يؤول إليه حال الناس عند إتباع طرق وسلوكيات ومعتقدات معينة، فالبشر سواسية وإن إختلفت لغاتهم ومعتقداتهم، نحن في النهاية بشر خلقنا من طين وأجهزة أجسامنا تعمل بنفس الطريقة تماماً مهما كانت اطوالنا وألواننا وطرق تفكيرنا.

إن حكم الشيوخ والمنابر وتأليه بعض الشخصيات في تاريخنا الإسلامي وصب جام غضبنا على المرأة وملاحقتها بكل أنواع الأوصاف والتأويلات ما لم ينزل به سلطاناً، أعتبره بداية الطريق إلى عصور مظلمة ستعم مجتمعاتنا بالكامل دون أن ندري، فحتى اليوم نحن نمارس الكثير مما كان يعيش عليه الناس في العصور المظلمة دون ان ندري ماهية أفعالنا وكلامنا ومعتقداتنا، بل أن فينا من يعتبره منهاج الحياة الأفضل على الإطلاق، دون أن يقوم بمقارنة مناهج أخرى وأساليب أخرى، لأن الشيخ فلان قال له ذلك!

هي دعوة لفتح العقول وقراءة المستقبل وملاحظة مانفعله ونعلمه لأطفالنا ومحاولة حثكم لتصور ذلك المجتمع الذي سيأتي بعدنا ونخلفه لأطفالنا إن سلكنا هذه الطريق أو تلك الطريق، وهي محاولة لتسليط الضوء حول أفعالنا، ربما لتصحيحها قبل أن يفوت الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *