تخطى إلى المحتوى
الرئيسة » المدونة » رسالة في زجاجة

رسالة في زجاجة

لنبدأ الحديث ببعض من التاريخ.. ففي 21 نوفمبر 1949 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا اقترحته وفود الهند والعراق وباكستان والولايات المتحدة ينص ان ليبيا يجب أن تصبح مستقلة قبل 1 يناير 1952.
وفي 24 ديسمبر 1951 أعلنت ليبيا استقلالها تحت اسم المملكة الليبية المتحدة بنظام ملكي دستوري وراثي. وقد أقرت الدستور “الجمعية الوطنية الليبية” بمدينة بنغازي في 6 محرم 1371 هـ ‏الموافق 7 أكتوبر 1951، وإستمرت المملكة الليبية المتحدة حتى 26 أبريل 1963 حين عُّدل إلى “المملكة الليبية” وذلك بعد إلغاء النظام الاتحادي الذي كان يجمع بين الولايات الليبية الثلاث  طرابلس،  برقة وفزان.
استمرت تلك المملكة حتى الانقلاب الذي قاده معمر القذافي في 1 سبتمبر 1969 والذي أنهى حكم الملك ادريس الأول والغاء الملكية وإنشاء الجمهورية العربية الليبية.
جاءت حرب التحرير في فبراير 2011 وسقطت الجمهورية المعمرية والآن بعد 3 سنوات من المراوحة في مكاننا وتبذير المليارات مع أداء مقرف للمؤتمر الوطني العام، وحياد ثورة 17 فبراير عن طريقها وتغلغل الكثيرين من أفراد النظام السابق فيها، وبعد عزوف الكثيرين عن إنتخابات لجنة الستين لإعداد الدستور ومعاناة الشرق الليبي من الأعمال الإرهابية، والكثير من الأحداث التي لاتسعفني الذاكرة لسردها، إنتهيت لنتيجة كثيرون من معارفي وصلوا إليها قبلي، ربما بسنوات.
بعد دكتاتورية وتعتيم إعلامي وثقافي إستمر لأربعة عقود، صار فيه المواطن الليبي مجرد زومبي يعمل لأجل تحصيل الرزق دون هواية أو ترفيه أو ثقافة، في ظل إعلام مسير وممول بواسطة نظام قمعي، حتى ان شراء جهاز حاسوب أو لاقط قنوات فضائية يضطرك لإستخراج موافقة أمنية، صار أغلبية الشعب الليبي جاهل ثقافياً ويعتمد على الواسطة في النجاح والعمل ولايحترم البيئة ولا القانون ويحتاج لأسلوب العقاب والإرهاب لتطبيق ابسط قوانين السير.
ناهيك عن صعوبة العيش والمركزية التي جعلت العاصمة مكان العيش الوحيد في البلاد، فولدت لدى المواطن الليبي همجية في الطباع هي غريبة وشاذة عن المواطن المدني الذي كان عليه أن يكونه، مما أدى لكراهية إنتشرت بين المدن والقبائل وحتى سكان الشارع الواحد، فصار رد الفعل الأول لأي شيء هو الهمجية والعنف.
بناء على كل هذه المعطيات، تتكون صورة في ذهني عن سفينة كان لديها قائد ومشرفين، لايملك بقية ركاب السفينة القدرة على حراك أي شيء فيها دون موافقة مسبقة كما انهم لايدرون شيئاً عما يحدث خارجها، وبين ليلة وضحاها (وإن إستمرت هذه الليلة لستة أشهر طويلة) إختفت كل معالم التحكم وصارت السفينة دون قائد ولا مشرفين.
هكذا تحول كل فرد في السفينة إلى قائد، وإختلط الحابل بالنابل دون وجود لمنهجية او مسار يقودها لبر الآمان، كما ان الكثيرين ممن لم تكن لديهم القدرة على التعبير والمواجهة بالكلام إتخذت العنف طريقاً، فتتم زراعة عبوات ناسفة في هيكل السفينة من حين لآخر، دون ان يدروا أن السفينة ستغرق بمن عليها وهم منهم!
لهذا، أرى ان الحل والخلاص لليبيا هو في أن ندخل مدرسة تأهيلية جميعاً، دون إستثناء، وليس هناك أفضل من مدرسة الأمم المتحدة، والتي لحسن الحظ نحن أعضاء فيها، نريد أن نتعلم الف باء بناء الدولة وتحت مراقبة مستمرة، كما حدث في 21 نوفمبر 1949 حين تدخلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار ينص على ان ليبيا يجب أن تصبح مستقلة، نحن بحاجة ماسة لقرار آخر أو حل آخر من كيان ليس لديه أي من امراضنا وعقدنا ومشاكلنا، نريد كياناً مستقلاً يقرر بحياد يهدف لإستقرار البلاد، فنحن شعب مريض بأمراض وعقد كثيرة، أولها التصنيف والشخصنة وآخرها القبلية والتعصب بشتى انواعه، نحن للأسف اليوم نكره بعضنا ونتمنى الموت والفناء للآخر لأجل ان نحكم.
ربما مجرد التلويح بهذا الحل سيجعل الهمج والرعاع والضباع تتوقف للحظة وتعي مصيرها القادم وقد يقودنا هذا إلى مصير ومستقبل أفضل، وربما لا، لكني أرى انه لامفر من هذه ال.. هذه ال.. فلنسمها صفعة!
بالنسبة لي فقد كفرت بكل الجهابذة والعلماء من هم على متن هذه السفينة، فيهم ممن رضعوا حليب الدكتاتورية، وفيهم المقهورين البسطاء، وأعتبر نفسي منهم، فلا ننحن بفقهاء في لعبة السلطة، ولا نعلم لعبة اللف والدوران واللباقة في الحديث، وغالباً مايكون السوط هو علاجنا، وربما العزلة والحبس الإنفرادي داخل زنزانات، عادةً نصنعها لأنفسنا، وبالتالي فلاحول لنا ولاقوة إلا بالكتابة على الجدران، وربما إرسال بعض الرسائل في زجاجات مغلقة من خلال نوافذ ضيقة، لعل أحدهم يقرأها فيلبي نداء النجدة، فكل ما نريده هو الوصول لبر الآمان.

1 أفكار بشأن “رسالة في زجاجة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *